البكاء من خشية الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
أيها الأحبة: كم مرة ذرفت أعيننا من خشية الله؟ كم مرة تأثرت قلوبنا بكلام الله تعالى؟ من منَّا وقف عند قوله تعالى واصفاً الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (5 سورة مريم.ثم بكى وسجد باكياً
أو وقف عند قوله -تعالى- وهو يصف أهل العلم والصلاح والهدى:{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}(109) سورة الإسراء. فتأثَّر واقتدى بهؤلاء؟
أيها الأحبة: إن البكاء من خشية الله -تعالى- مقام عظيم، وهو مقام الأنبياء والصالحين ، إنه مقام الخشوع وإراقة الدموع من الخوف من الله، إنه التعبير عن حزنٍ القلب وانكسار الفؤاد.
إن البكاء من خشية الله تعالى من أعظم الأمور التي يحبها الله تبارك وتعالى فعن أبي أمامة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله... الحديث).1
أيها الإخوة الأفاضل:
إن البكاء من خشية الله سبب النجاة من هول القيامة، وسبب تزحزح من عذاب يوم الطامة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - وذكر منهم: (رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).2
بل قد صرح - عليه الصلاة والسلام- باستحالة دخــول من بكى من خشية الله النار فقال - عليه الصلاة والسلام-: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم).3 وقال - عليه الصلاة والسلام- أيضاً: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).4
ولذلك - أيها الأحبة الأكارم – كان نبينا صلى الله عليه وسلم من أشد الناس خشية وبكاء لله قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (اقرأ علي سورة النساء ) قال: قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري) قال: فقرأت عليه حتى إذا انتهيت إلى قوله: ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) الآية.. فرفعت رأسي فإذا عيناه تهملان) 5. أي تدمعان.
وقال عبد الله بن الشخِّير - رضي الله عنه-: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيزٌ كأزيز الرحى من البكاء)6.
وقال عليه الصلاة السلام:والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ..
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: لما نزلت {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} (59-60) سورة النجم. بكى أصحاب الصُّفَّة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بكى معهم فبكينا ببكائه، فقال - صلى الله عليه وسلم-: (لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصر على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم).7
وهكذا كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- فقد كانوا أتقى الناس، وأكثرهم خشية لله بعد الأنبياء صلوات الله عليهم. قال هانئ مولى عثمان - رضي الله عنه-: كان عثمان إذا وقف علىقبر بكي حتى يبل لحيته فقيل له: تذكر الجنة والنار، ولا تبكي وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعد أشد منه).8
وعن عرفجة قال: قال أبوبكر الصديق - رضي الله عنه-: من استطاع منكم أن يبكي فليبكِ ومن لم يستطع فليتباكَ. وقرأ ابن عمر - رضي الله عنهما- {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فلما بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فبكى حتى خر وامتنع من قراءة ما بعده9.
وبكى أبو هريرة - رضي الله عنه- في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري، وقلة زادي! وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي10.. هكذا كان سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فهذا الحسن البصري يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي.11
وهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بكى يوماً بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إن فيها مواعظ لمن ادَّكر)12.
وقال أبو سليمان: عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر13.
أيها الأحبة: إن البكاء من خشية الله -تعالى- دليل على أن العبد يخشى مولاه ويراقبه، وهو كذلك دليل على صلاح العبد واستقامته، وصفاء قلبه، وهو كذلك طريق موصل إلى محبة الله ورضوانه، وهو دليل على رقة القلب واستجابته لمولاه، وهو سمة من سمات الخاشعين، ومورث الخوف من الله رب العالمين، وهو علامة بارزة على صحة إيمان المؤمنين. ألا فلنبك من خشية خالقنا ومولانا، ولنبك على ذنوبنا وخطايانا. والسعيد من وعظ بغيره والعاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أعطى نفسه هواها وتمنّى على الله الأمانيّ..
اللهم ارزقنا قلوباً خاشعة، وأعيناً باكية يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
أيها الأحبة: كم مرة ذرفت أعيننا من خشية الله؟ كم مرة تأثرت قلوبنا بكلام الله تعالى؟ من منَّا وقف عند قوله تعالى واصفاً الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (5 سورة مريم.ثم بكى وسجد باكياً
أو وقف عند قوله -تعالى- وهو يصف أهل العلم والصلاح والهدى:{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}(109) سورة الإسراء. فتأثَّر واقتدى بهؤلاء؟
أيها الأحبة: إن البكاء من خشية الله -تعالى- مقام عظيم، وهو مقام الأنبياء والصالحين ، إنه مقام الخشوع وإراقة الدموع من الخوف من الله، إنه التعبير عن حزنٍ القلب وانكسار الفؤاد.
إن البكاء من خشية الله تعالى من أعظم الأمور التي يحبها الله تبارك وتعالى فعن أبي أمامة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله... الحديث).1
أيها الإخوة الأفاضل:
إن البكاء من خشية الله سبب النجاة من هول القيامة، وسبب تزحزح من عذاب يوم الطامة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - وذكر منهم: (رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).2
بل قد صرح - عليه الصلاة والسلام- باستحالة دخــول من بكى من خشية الله النار فقال - عليه الصلاة والسلام-: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم).3 وقال - عليه الصلاة والسلام- أيضاً: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).4
ولذلك - أيها الأحبة الأكارم – كان نبينا صلى الله عليه وسلم من أشد الناس خشية وبكاء لله قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (اقرأ علي سورة النساء ) قال: قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري) قال: فقرأت عليه حتى إذا انتهيت إلى قوله: ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) الآية.. فرفعت رأسي فإذا عيناه تهملان) 5. أي تدمعان.
وقال عبد الله بن الشخِّير - رضي الله عنه-: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيزٌ كأزيز الرحى من البكاء)6.
وقال عليه الصلاة السلام:والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ..
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: لما نزلت {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} (59-60) سورة النجم. بكى أصحاب الصُّفَّة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بكى معهم فبكينا ببكائه، فقال - صلى الله عليه وسلم-: (لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصر على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم).7
وهكذا كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- فقد كانوا أتقى الناس، وأكثرهم خشية لله بعد الأنبياء صلوات الله عليهم. قال هانئ مولى عثمان - رضي الله عنه-: كان عثمان إذا وقف علىقبر بكي حتى يبل لحيته فقيل له: تذكر الجنة والنار، ولا تبكي وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعد أشد منه).8
وعن عرفجة قال: قال أبوبكر الصديق - رضي الله عنه-: من استطاع منكم أن يبكي فليبكِ ومن لم يستطع فليتباكَ. وقرأ ابن عمر - رضي الله عنهما- {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فلما بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فبكى حتى خر وامتنع من قراءة ما بعده9.
وبكى أبو هريرة - رضي الله عنه- في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري، وقلة زادي! وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي10.. هكذا كان سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فهذا الحسن البصري يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي.11
وهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بكى يوماً بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إن فيها مواعظ لمن ادَّكر)12.
وقال أبو سليمان: عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر13.
أيها الأحبة: إن البكاء من خشية الله -تعالى- دليل على أن العبد يخشى مولاه ويراقبه، وهو كذلك دليل على صلاح العبد واستقامته، وصفاء قلبه، وهو كذلك طريق موصل إلى محبة الله ورضوانه، وهو دليل على رقة القلب واستجابته لمولاه، وهو سمة من سمات الخاشعين، ومورث الخوف من الله رب العالمين، وهو علامة بارزة على صحة إيمان المؤمنين. ألا فلنبك من خشية خالقنا ومولانا، ولنبك على ذنوبنا وخطايانا. والسعيد من وعظ بغيره والعاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أعطى نفسه هواها وتمنّى على الله الأمانيّ..
اللهم ارزقنا قلوباً خاشعة، وأعيناً باكية يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين...
[/size]